رياضة

بيلسا وسواريز: لأن العبقري لا يمتلك أصدقاء

الوجه الآخر للعبقرية في كرة القدم التي تبعد يوماً بعد يوم عن تقبل العباقرة مثل الأرجنتيني مارسيلو بيلسا.

future من على اليمين: لاعب كرة القدم الأوروجوياني لويس سواريز، مدرب كرة القدم الأرجنتيني مارسيلو بيلسا

يبدو الحديث عن قدرات مارسيلو بيلسا التدريبية الفائقة أمراً مكرراً، ربما يكفيه أن بيب جوارديولا يصفه بالأفضل في العالم، وسيميوني يؤكد دوماً أنه تعلم منه كثيراً بينما يقول بوتشيتينو صراحة، إن هذا الرجل عبقري.

ربما علينا التوقف قليلاً عند وصف بوتشيتينو لبيلسا، فالأرجنتيني تربطه علاقة وثيقة ببيلسا فقد تدرب تحت إمرته لأول مرة رفقة نيولز أولد بويز وهو في الـ13 فقط ثم جمعهما الشمل مرة أخرى في إسبانيول وتحت راية المنتخب الأرجنتيني أيضاً، لذا فوصف العبقرية تحديداً من ماوريسيو لم يكن اعتباطاً أبداً، هذا لأن الناس عندما يطلقون على شخص ما بأنه عبقري فهذا يتضمن أيضاً أنه رجل انطوائي لا يجيد التعامل مع الآخرين.

هل تعتقد الآن أننا في صف لويس سواريز الذي انتقد بيلسا مؤخراً على طريقة تعامله مع اللاعبين كونه نجماً كبيراً قدم سنوات من المتعة في عالم كرة القدم؟ حسناً الأمر لا يتعلق بسواريز أو بيلسا بل يتعلق بالوجه الآخر للعبقرية وبين كرة القدم التي تبعد يوماً بعد يوم عن تقبل مثل هؤلاء العباقرة.

عبقري لأي مدى

لا تقلق لن أحدثك عن صندوق التبريد الذي يجلس عليه بيلسا بدلاً من المقاعد رفقة منتخب الأوروجواي ولا طلبه وجود سرير ومطبخ خاص به في ملعب تدريب نادي ليدز حتى لا يضطر إلى العودة للمنزل، ليس هذا المدى من العبقرية الذي نتحدث عنه بل نقصد هنا الجانب المتداخل في عمله كمدرب محترف.

عقب رحيل بيلسا عن نادي ليدز تلقى عرضاً لتدريب إيفرتون ليحل بديلاً لفرانك لامبارد الذي ترك الفريق يصارع على الهبوط من الدوري الإنجليزي الممتاز، لكنه أجاب بتفضيله تولي مسئولية فريق تحت 23 عاماً حتى نهاية ذلك الموسم ثم البدء من جديد مع الفريق الأول في الصيف! تخيل رد فعل المسئولين وهم على شفا حفرة من التشامبيون شيب!

يبدو بيلسا وكأنه يعيش في عالمه الخاص وإذا لم يستطع أن يجد هذا العالم يخلقه بنفسه، ولهذا فسواريز لم يكن أول المنتقدين لبيلسا في أوروجواي بل ولم يكن أشدهم، فقد انتقد سيباستيان أبريو لاعب المنتخب السابق نهج بيلسا مدعياً أن ما يصل إلى ثمانية عمال رحلوا ببساطة لأنهم لم يستطيعوا احتمال متطلبات الرجل، كما غادر مدرب حراس المرمى كارلوس نيكولا بسبب خلافات مع الأرجنتيني،  بينما ذكرت شبكة «إي إس بي إن» أن ألبرتو بأن رئيس الجهاز الطبي لدى الاتحاد الأوروجواياني غادر لأنه لم يمتثل لرغبة بيلسا في حضوره إلى المكتب كل يوم. 

الآن فقط يمكننا الحديث عن انتقادات سواريز بغض النظر عن ماهية سواريز نفسه، فقد تمحورت انتقادات سواريز حول النقطة نفسها؛ فقد ادعى لويس أن مجموعة من اللاعبين نظموا اجتماعاً يطلبون من المدرب أن يحييهم على الأقل بـ«صباح الخير». كما أن طاقم بيلسا يمنع اللاعبين من لعب الورق بين جلسات التدريب، كما تم منعهم من تحية الجماهير، وقبل مباراة الفريق أمام المنتخب الأمريكي لم يتدرب سوى اللاعبين الأساسيين بينما طُلب من البدلاء البقاء في الفندق.

مزاعم سواريز جميعها لم ينكرها بقية اللاعبين بل أكدها جودين وفالفيردي وهما من أبرز لاعبي الفريق، والأهم أن تلك المزاعم تتفق مع كون الرجل بالفعل لديه قصور في الناحية الاجتماعية، ويمكنك ملاحظة أننا لم نتطرق على الإطلاق لمتطلبات بيلسا الفنية التي تتسم أحياناً بالصعوبة وتفسر على أنها عبقرية، لكن ماذا لو كانت تلك العبقرية هي السبب الرئيس في كونه لا يجيد التواصل مع الآخرين.

عبقري في عالم مجنون

كما ذكرنا سلفاً فإن العباقرة دوماً ما ينظر لهم كأشخاص يعانون الخلل الاجتماعي، وفي محاولة لفهم الربط بين الجانبين نجد عدة فرضيات، فالعباقرة على سبيل المثال أكثر عرضة لإظهار مواقف غير متوافقة أو حتى معادية للتقليد، كما أنهم أكثر عرضة للاتهام بالغطرسة بسبب قدراتهم. ويبدو الأمر منطقياً، فثقة الأشخاص العباقرة بأنفسهم قد يساء تفسيرها أو تثير الاستياء في العموم، كذلك ينظر الآخرون إلى الاهتمامات الباطنية للأشخاص الأذكياء على أنها غريبة أو غير طبيعية.

واحدة من تلك الفرضيات هو أن العباقرة بافتراض أنهم يقضون وقتهم في أنشطة فكرية مثل الشطرنج والرياضيات والأدب أقل ميلاً إلى المشاركة في الأنشطة الجماعية التي تعمل على تحسين المهارات الاجتماعية مثل الرياضة، وهنا تحديداً قد نجد مربط الفرس.

فبيلسا يعيش داخل عالم كرة القدم، حيث الضجيج والتلاعب والمرح الزائد والملايين التي جعلت اللاعبين يعيشون حياة الترف كل يوم والمليارات التي جعلت المسئولين في مواقع تمكنهم من السيطرة على اقتصاديات تقارب حجم اقتصاديات الدول الصغيرة، هذا العالم الذي لا يستغرب داخله علاقات المجون من الطبيعي أن يشعر الجميع بأن ثمة خطأ لأن هناك شخصاً انطوائياً لدرجة أنه لا يقول صباح الخير!

بيلسا عبقري لا ينتمي للعالم الذي يحيا فيه، ويحاول خلق عالم خاص فيتهمه الآخرون بجنون العبقرية والتعالي والانطوائية، يشبه الأمر وجود مدرس جامعي كمسئول عن ملهى ليلي وعلى الجميع اتباع نظرياته الأكاديمية.

بيلسا القديس وسواريز العضاض

الآن نصل لنقطة النهاية، من هو الشخص السيئ في الرواية؟ من السهل أن نقول سواريز، فالرجل تم إيقافه من قبل بسبب اتهامات العنصرية في حادثة باتريس إيفرا الشهيرة وتم إيقافه بشكل متكرر لأنه يعض المنافسين، كما أنه دخل في خلاف علني مع وكيله السابق متهماً إياه بالسرقة.

حسناً، لقد فعل سواريز كل هذا بالفعل، لكنه نادراً ما كان على خلاف مع أي مدرب طوال مسيرته مع كرة القدم، سواريز ليس الرجل الذي يتعامل مع المدربين بشيء من الفوقية أو الانفصال عن لحمة الفريق.

حسناً، ربما بيلسا هو المجنون المنفصل عن الواقع تماماً الذي يجب أن يُلام على غطرسته غير المبررة! في الحقيقة بيلسا ليس قديساً لكنه ليس مجنوناً أيضاً!  إنه رجل صادق وغير تقليدي وعبقري في ما يتعلق بكرة القدم لكنه أيضاً لا يجيد الاجتماعيات وهذا ليس عيباً قد يقال المدرب من أجله وليس عيباً قد ينفجر الفريق بسببه مثلما قال سواريز، وبخاصة عندما يتعلق الأمر بالمنتخبات والتجمعات غير اليومية.

في الحقيقية لا يوجد خير وشر في هذه القصة، بينما تكمن الدراما في كوننا نشاهد مواجهة بين الأضداد، سواريز الذي يمثل كرة القدم الحديثة التي تعترف بالنجوم وتمنحهم مزايا لا يتخيلها عقل، وبين بيلسا العبقري العاطفي المنقوص الذي بُني في مدينة روزاريو الثورية، والذي صاغته نشأته في وقت فيصلي  ليكون ذا فكر مستقل.

من يخرج فائزاً؟ بالمنطق السليم نجد أن المدرب له اليد العليا في كافة المواقف، وفي كرة قدم سواريز وأقرانه، ربما نجد بيلسا من دون فريق بعد بضعة أشهر.

# رياضة # كرة قدم

جوارديولا يمدح خصومه: هكذا أصبحت التيكي تاكا مذهباً
الخسارة كنز: هل تجعلك الهزيمة خفيف الظل؟
المقبرة الملكية: هل يحمي ريال مدريد المواهب أم يدفنها؟

رياضة